أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلق
قال
تعالى : (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ {17} وَإِلَى
السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ {18} وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ {19} وَإِلَى
الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ {20} فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ {21} لَّسْتَ
عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ {22})(الغاشية).
في
هذه الآيات الكريمة يخص الله سبحانه وتعالى ـ الإبل من بين مخلوقاته الحية، ويجعل
النظر إلى كيفية خلقها أسبق من التأمل في كيفية رفع السموات ونصب الجبال وتسطيح
الأرض، ويدعو إلى أن يكون النظر والتأمل في هذه المخلوقات مدخلاً إلى الإيمان
الخالص بقدرة الخالق وبديع صنعه .
في
هذه الآية الكريمة يحضنا الخالق العليم بأسرار خلقه حضاً جميلاً رفيقاً، على
التفكير والتأمل في خلق الإبل (أو الجمال)، باعتباره خلقاً دالاً على عظمة الخالق
ـ سبحانه وتعالى ـ وكمال قدرته وحسن تدبيره. وسوف نرى أن ما كشفه العلم حديثاً عن
بعض الحقائق المذهلة في خلق الإبل يدل على سبق القرآن الكريم في الإشارة إلى هذا
المخلق المعجز الذي يدل يدل على عظمة خالقه سبحانه وتعالى كما يدل أن القرآن
الكريم هو الكتاب المعجز الذي نزل من عند الله تعالى على قلب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم .فنقول وبالله التوفيق:
إن
أول ما يلفت الأنظار في الإبل الشكل الخارجي الذي لا يخلو تكوينه من الآيات البينات
التي تأخذ بالألباب :
فأذنا
الإبل: صغيرتان قليلتا البروز، فضلاً عن أن الشعر يغطيها من كل جانب ليقيها
من الرمال التي تحملها الرياح، وكما أن لها القدرة على الانثناء خلفاً والالتصاق
بالرأس إذا ما هبت العواصف الرملية.
كذلك
المنخران يتخذان شكل شقين ضيقين محاطين بالشعر وحافتهما لحمية مما يسمح للجمل أن
يغلقهما لمن أمام ما تحمله الرياح إلى رئتيه من دقائق الرمال.
إن
لعيني الجمل روموش ذات طبقتين مثل الفخ بحيث تدخل الواحدة بالأخرى وبهذا فأنها
تستطيع أن تحمى عينها وتمنع دخول الرمال إليه.
وذيل
الجمل يحمل كذلك على جانبيه شعراً يحمى الأجزاء الخلفية من حبات الرمل التي تثيرها
الرياح والتي كأنها وابل من طلقات الرصاص .
أما
قوائم الجمل فهي طويلة لترفع جسمه عن كثير مما يثور تحته من غبار، كما أنها تساعده
على اتساع الخطوة وخفة الحركة، وتتحصن أقدام الجمل بخف يغلفه جلد قوي غليظ يضم
وسادة عريضة لينة تتسع عندما يدوس الجمل بها فوق الأرض، ومن ثم يستطيع السير فوق
أكثر الرمل نعومة، وهو ما يصعب على أية دابة سواه ويجعله جديراً بلقب «سفينة
الصحراء».
فما
زالت الإبل في كثير من المناطق القاحلة الوسيلة المثلا لارتياد الصحارى وقد تقطع
قافلة الإبل بما عليها من زاد ومتاع نحواً من خمسين أو ستين كيلومتراً في اليوم
الواحد، ولم تستطع السيارات بعد من منافسة الجمل في ارتياد المناطق الصحراوية
الوعرة غير المعبدة .
لقد
خلق الله سبحانه وتعالى الإبل ذوات أعناق مرتفعة حتى تتمكن من تناول طعامها من
نبات الأرض، كما أنها تستطيع قضم أوراق الأشجار المرتفعة حين مصادفتها، ويساعد
الجمل على النهوض بالأثقال.
وحين
يبرك الجمل للراحة أو يناخ ليُعد للرحيل يعتمد جسمه الثقيل على وسائد من جلد قوي
سميك على مفاصل أرجله، ويرتكز بمعظم ثقله على كلكله، حتى أنه لو جثم به فوق حيوان
أو إنسان طحنه طحناً .
وهذه
الوسائد إحدى معجزات الخالق التي أنعم بها على هذا الحيوان العجيب، حيث إنها تهيئه
لأن يبرك فوق الرمال الخشنة الشديدة الحرارة التي كثيراً ما لا يجد الجمل سواها
مفترشاً له فلا يبالي بها ولا يصيبه منها أذى . والجمل الوليد يخرج من بطن أمه
مزود بهذه الوسائد المتغلظة، فهي شيء ثابت موروث وليست من قبيل ما يظهر بأقدام
الناس من الحفاء أو لبس الأحذية الضيقة .
وأما
معدة الإبل فهي ذات أربعة أوجه وجهازه الهضمي قوى بحيث يستطيع أن هضم أي شئ بجانب
الغذاء، كالمطاط مثلا في الاماكن الجافة .
إن
الإبل لا تتنفس من فمها ولا تلهث أبداً مهما اشتد الحر أو استبد بها العطش، وهي
بذلك تتجنب تبخر الماء من هذا السبيل.
يمتاز
الجمل بأنه لا يفرز إلا مقداراً ضئيلاً من العرق عند الضرورة القصوى بفضل قدرة
جسمه على التكيف مع المعيشة في ظروف الصحراء التي تتغير فيها درجة الحرارة بين
الليل والنهار .
إن
جسم الجمل مغطى بشعر كثيف وهذا الشعر يقوم بعزل الحرارة ويمنعها من الوصل إلى
الجلد تحتها، ويستطيع جهاز ضبط الحرارة في جسم الجمل أن يجعل مدى تفاوت الحرارة
نحو سبع درجات كاملة دون ضرر، أي بين 34م و41 م، ولا يضطر الجمل إلى العرق إلا إذا
تجاوزت حرارة جسمه 41م ويكون هذا في فترة قصيرة من النهار أما في المساء فإن الجمل
يتخلص من الحرارة التي اختزنها عن طريق الإشعاع إلى هواء الليل البارد دون أن يفقد
قطرة ماء، وهذه الآلية وحدها توفر للجمل خمسة لترات كاملة من الماء، ولا يفوتنا أن
نقارن بين هذه الخاصة التي يمتاز بها الجمل وبين نظيرتها عند جسم الإنسان الذي
ثبتت درجة حرارة جسمه العادية عند حوالي 37 م، وإذا انخفضت أو ارتفعت يكون هذا
نذير مرض ينبغي أن يتدارك بالعلاج السريع، وربما توفي الإنسان إذا وصلت حرارة جسمه
إلى القيمتين اللتين تتراوح بينهما درجة حرارة جسم الجمل ( 34م و41م)
كذلك
يقوم الجمل بإنتاج الماء والذي يساعده على تحمل الجوع والعطش وذلك من الشحوم
الموجودة في سنامه بطريقة كيماوية يعجز الإنسان عن مضاهاتها.
فمن
المعروف أن الشحم والمواد الكربوهيدراتية لا ينتج عن احتراقها في الجسم سوى الماء
وغاز ثاني أسيد الكربون الذي يتخلص منه الجسم في عملية التنفس، بالإضافة إلى تولد
كمية كبيرة من الطاقة اللازمة لواصلة النشاط الحيوي .
ومعظم
الدهن الذي يختزنه الجمل في سنامه يلجأ إليه الجمل حين يشح الغذاء أو ينعدم،
فيحرقه شيئاً فشياً ويذوى معه السنام يوماً بعد يوم حتى يميل على جنبه، ثم يصبح
كيساً متهدلاً خاوياً من الجلد إذا طال الجوع والعطش بالجمل المسافر المنهك .
من
حكمة في خلق الله الإبل أن جعل احتياطي الدهون في الإبل كبيراً للغاية يفوق أي
حيوان آخر ويكفي دليل على ذلك أن نقارن بين الجمل والخروف المشهور بإليته الضخمة
المملوءة بالشحم. فعلى حين نجد الخروف يختزن زهاء (11كجم) من الدهن في إليته، نجد
أن الجمل يختزن ما يفوق ذلك المقدار بأكثر من عشرة أضعاف (أي نحو 120 كجم)، وهي
كمية كبيرة بلا شك يستفيد منها الجمل بتمثيلها وتحويلها إلى ماء وطاقة وثاني أكسيد
الكربون . ولهذا يستطيع الجمل أن يقضي حوالي شهر ونصف بدون ماء يشربه
ولكن
آثار العطش الشديد تصيبه بالهزال وتفقده الكثير من وزنه، وبالرغم من هذا فإنه يمضي
في حياته صلدا لا تخور قواه إلى أن يجد الماء العذب أو المالح فيعب منه عباً حتى
يطفئ ظمأه
كما
أن الدم يحتوى على أنزيم البومين بنسبة اكبر مما توجد عند بقية الكائنات وهذا
الإنزيم يزيد في مقاومة الجمل للعطش وتعزى قدرة الجمل الخارقة على تجرع محاليل
الأملاح المركزة إلى استعداد خاص في كليته لإخراج تلك الأملاح في بول شديد التركيز
بعد أن تستعيد معظم ما فيه من ماء لترده إلى الدم .
أما
لبن الإبل فهو أعجوبة من الأعاجيب التي خصها الله سبحانه للإبل والتي سوف نفرد لها حلقة خاصة بها
باذن الله نعالى
وهكذا
نجد أن الآية الكريمة (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) تمثل نموذجاً لما يمكن أن
يؤدي إليه العلم بكافة مستوياته الفطرية والعلمية، وليس في نصّها شيء من حقائق
العلوم ونظرياتها وإنما فيها ما هو أعظم من هذا فيها مفتاح الوصول إلى تلك الحقائق
بذلك التوجيه الجميل من الله العليم الخبير بأسرار خلقه .
هذه
بعض أوجه الإعجاز في خلق الإبل من ناحية الشكل والبنيان الخارجي، وهي خصائص يمكن
إدراكها بفطرة المتأمل الذي يقنع البدوي منذ الوهلة الأولى بإعجاز الخلق الذي يدل
على قدرة الخالق .والحمد لله على نعمة الاسلام وكفى بها
نعمة والسلام.
سبحان الخالق العظيم
ردحذف